السبت، 13 أغسطس 2011

من دفتر حرب تموز


عشيّة وقف الحرب

 

الزمنُ مصلوبٌ على أرصفة المرافئ،

يتسكّع في محطّاتِ السفر والهجرة،

حاملاً حقيبةَ الذكريات،

وملتحفًا شرائعَ الطفولة.



لم يَعُدْ الحنينُ إلى رائحةِ التراب، يشدّه،

ولا البوحُ في مراتعِ العشقِ،

حيثُ عصافيرُ الاشتياق تنقدُ جوع اللهفة،

وفراشاتُ الاطمئنانِ تغفو في أرجوحةِ اللون.



أمسِ كانَ موعدُ القلق الحزين،

قابعًا عندَ معابرِ العافية المشتاقةِ إلى مهرجانِ الفرح،

يتلفتُ خائفًا، خشيةَ دمعةٍ تخجلُ أمام ينابيع الدماء.



لم تكن صلاةُ الحبّ بالخشية والإيمان،

لم تكن آهة العبادةِ ترتشفُ كأس الضحكِ،

انسابَ الأمس الضاحكُ إلى خزانةِ التاريخ،

وصار باهتًا فوق أوراق المفكرة.



أمس، يا صديقتي،

عشيّة الكذبةِ الكبرى بوقفٍ لأعمال الحرب،

فتَّحِتْ، في جنينتي الصغيرة،

أربعةُ أطباق من غرسة الغاردينيا،

بيضاء مثل أجنحة الملائكة.



في المساء يا صديقتي،

وفي حضنِ هذه الحديقة الصغيرة،

ابتسمت أزهار الغاردينيا بنقاء،

كانت مختبئةً في أكمامها لأكثر من شهر،

وفتقت براعُمها الكبرى لتُطلّ بالأمل والحلم والطفولة الغافية في أعماقنا.



ويا صديقتي،

يعطرّني أريجُ "شبّ" الليلِ،

يفتح كؤوس زهوره في المساء،

ويُطلِقُ ماردَ العطر من قمقمه،

عميقَ الأحاسيس إلى آخر خليّةٍ في الرئتين،

كأنّه يغمرُ كياننا بنبيذ العبقِ الأطيب المغلّفِ بالنشوة،

يأخذنا إلى حيثُ لا مجال لغير الحب والعشق.



في حديقتي الصغيرة، أيتها الصديقة،

يخصبُ التراب عشقَ الأرض التي تَجَذّرْنا فيها،

يفتح كتابَ التاريخ،

يقرأُ كم نحنُ حملنا كُفرَ الآخرين،

وصُلبنا على خشبةٍ اسمها "الأمم المتحدة".



كيف يجرأُ طيّارٌ غاشم أن يغتالَ عطرَ "شبّ" الليل؟

كيف يجرؤ حاكمٌ أرعن أن يخدشَ حياءَ الغاردينيا ونقاءها؟

كيف يأثم طاقمٌ حاكم في القرنِ الحادي والعشرين أن يغتصبَ الحياة من الأطفال؟



يا صديقتي،

متى يعود العطرُ إلى شبّ الليل؟

متى يعود النقاء إلى الغاردينيا؟

متى تعودُ فيروز إلى عرس الوطن الصغير؟



أنا في حديقتي ولدتُ مع نقاء الغاردينيا وعطر الليل، وأقمار الورود والنباتات في مهرجان الالوان؟



متى كان الوطنُ غير كأسٍ من شعرٍ

يرتوي من قدسية قانا وشهادتها المقدّسة؟



           14/08/2006



                           ميشال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق