الثلاثاء، 31 يناير 2012

إنتظار تحت نافذة الغياب


إنتظارٌ تحتَ نافذةِ الغياب
   الإنتظار يلوّع القلب - جون وليام غودوارد 1861-1922 (زيتية 1912)

يوجعني، يا سيّدتي هذا الغياب،
يغرزُ في أعماقي شوكهُُ،
يُدمي مسارَ اللهفةِ،
ويخنقُ باقاتِ الشوقِ الزاهرةِ فوقَ ملامسِ عريِكِ.

لا يتركُ الغيابُ،
فرصةً للإبحارِ صوبكِ.
تصيرُ مسالكُ الأشواقِ موصدةً،
تصيرُ حكاياتُ البوحِ وتعابيرُ الحبِّ ذابلةً.
تظمأُ إلى ماءِ عذوبتِكِ،
تعطشُ إلى ندى نعومتِكِ،
تجوعُ إلى اللهيبِ الكاوي مجامرَ القلب،
وتقلقُ،
فتصيرُ الثواني روزنامةً سنوية،
والدقائقُ أجيالاً يتعذّرُ اجتيازها،
 من دون سرعةِ ضوء عينيكِ.

يُتلفُ البعدُ، يا حبيبتي،
عافيةَ الشوقِ،
تسقطُ أوراقُها في خريفٍ سريعِ البدايات.
تصيرُ اوراقُها طُحلبًا،
ورياحينُها فُتاتًا باهتَ اللونِ رماديَّ البوح.

معكِ، يا حبيبتي،
تلوّنُ نبضاتُ قلبكِ فصولَ حياتي،
تدفعُها إلى انتظارٍ قَلِقٍ،
إلى انتظارٍ يبدأ قبل اللقاء،
يصيرُ الانتظارُ حدثَ الثواني والدقائق،
يصيرُ شعلةَ النَبْضِ المتدفقِ في شبكةِ الأعصاب والأوردة والشرايين،
يقتلعُ الانتظارُ جذوري لتنبتَ فيكِ،
كلّما أضاء الوجدُ لحظةَ عبوركِ إليِّ.

ألمُ الغربةِ، يا حبيبتي،
أن أجهلَ سببَها.
وجَعُها،
أنّها أقفلت على كلمةٍ تُطمئن.
إثْمُها،
أنها تنبتُ فيَّ مثلَ الخطيئة،
وتُعششُ مثل أخطبوط التعاسة.
خطيئتُها،
أنّها أوقفت بوحَ التلاقي.

في الحبِّ، يا سيّدتي،
أخشى أن تُقفلَ الأبوابُ سريعًا،
ومن دونِ سابق إنذار.
في الحبِّ،
أخافُ أن نتركَ الأبواب مشرّعةً لعنكبوتِ العاطفة،
أن نُتلفَ نباتَ الصفاء العاطفي،
ونغتالَ حكايات التعلّقِ والاندفاع،
فنصيرَ خارج  مدارِ ما اعتبرناهُ فرحَ الحياةِ ونسغها وينابيعها.

لا أعرفُ، يا حبيبتي،
هلْ أُسدلَ الستارُ،
وانتهتْ فصولُ الحكاية؟

أمْ،
توقفت استراحةُ الفصلِ الأول،
ليرفعَ الستارُ،
وتبدأ حبكةٌ جديدة،
من صفحاتِ ارتحالِ الشوقِ إلى أحضانِ دفئكِ؟

لا شيء، يُبعِدكِ عن ذاكرتي،
لا قوّةَ تستطيع أن تنزع التصاقكِ بي،
لا حواجز تقدرُ أن تحولَ دون انسيابي إليكِ،
فأنتِ،
كيفَ يمكن أن تخرجي منّي،
وقد تلبّستُكِ كياني؟
أنتِ، تخترقينني في كلِّ إدراكي وحواسي،
تعبرينَ فيّ مثل المسّ الكهربائي،
تلتفينَ حوليَ مثلَ الأعاصيرِ،
وتنسابين إلى داخلي مثلَ أحلامِ النعمة.

مهما طالَ غيابُكِ،
فرجوعكِ إليَّ،
يبقى مثقلاً بعناقيد الحبِّ والرغبة.

               
                                ميشال مرقص




السبت، 28 يناير 2012

خلف ذاكرة الغربة

البطاقة الأولى
خلف ذاكرة الغربة



                                                أنهيتُ قصيدةً بعنوان،
                               " مسارٌ بلا محطة" بأنني سأرسلُ لكِ بطاقات"  


  في محطة القطارات الباردة،
حيثُ الجميعُ يَحملُ صقيعَ الوداع،
وثلوجةَ الترحيب،
تتشابه الوجوه،
تخرج على هامش الوضوح،
تتماثلُ في سيمائها،
يختفي بعضها خلف وجوهٍ تشقُ طريقَ المسافةِ لاستطلاعِ وجهٍ غلّفته عربةُ القطار، وصارَ صورةً معلّقةً وراء النافذة الزجاجية.

بعضُ الوجوه يقتحم المسافة،
غيرها يتردّد،
وبعضها الآخر تحبسه خطواتٌ غيرُ واثقة،
يبقى مسمّراً،
يغالبُ غصّةَ الفراق...
وغيرها تنفرج أساريرُه،
فهو يعودُ إلى ذراعي حرّيةٍ أفقده إياها من استقلَّ العربة منذ قليل!

لم يكن وجهُكِ حاضراً،
كان كلُّ وجهٍ أنتِ ولم تكوني،
تطولُ لائحةُ الوجوه،
تكثرُ التطلعات،
تدمعُ العيون لكثرة التفاتها وتطويقها الجهات،
لكن ملوحةَ الدموع لا تسترجعُ وجهكِ الغائبِ بعيداً عن كل الوجوه.
                             
عندما نتعلّقُ بوجهٍ، في محطةِ الغربة،
تتشابكُ نظراتنا،
يصيرُ بعدُ الارتحالِ جدولاً يفيضُ عاطفةً،
تصيرُ نظراتنا المتعانقة حبالَ عاطفةٍ مشدودة،
تتمسّكُ بنا أن  نبقى،
 أن نمحوَ المسافة،
تعيدنا إلى خبايا العاطفة.

ِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِالعاطفةُ تفيض في مواعيد الوداع،
نشعر بحقيقتها،
بحجمها،
نسأل أين اختزنها جسمُنا الصغير؟
وتفجّرت في حالات الغربة عن الذات.

عندما نغتربُ في مجاهلِ عواطفنا،
وتُتْلفنا مسافاتُ الحنين المقهور،
يبتعد وجهُ من نحبُّ،
يبقى في المحطّة التي هَجَرَنا فيها،
فوق رصيف الآه المكبوتة،
تلتقطه ذاكرةُ العينِ إلى شاشة الشغفِ،
يتفلّتُ منها،
تغيبُ قسماته،
تجهدُ خزانةُ الذاكرةِ أن تبقيه حاضراً،
يصيرُ مثل رسمٍ على شاطئٍ رملي،
تمحوه موجةٌ ناعمةٌ،
وعبثاً نتذكر صورة ذلك الوجه الذي غمرنا كثيراً بالسعادة،
لأنّهُ أرادَ أن يخرجَ من الصورة،
إلى القلبِ...

هنا،
عند أرصفةِ القلقِ،
وبساتين العاطفةِ المشبوبةِ بأريجِ أنوثتكِ،
فوق ملصقاتِ جدرانِ الرئتين،
ولدى نوافذِ البوحِ الهائمِ مع هديرِ القطار،
في خبايا العقل والقلب معاً،
ولدى هبوب النسيم،
وتفتحِ الأزهار،
وهطولِ المطر،
او بارقةِ الشمسِ في يومٍ يحملُ سعادةَ وجهكِ،
تبقينَ يا سيّدتي،
زوّادةَ دفئي،
دفقَ عواطفي،
خلفَ زجاج غرفتي في منفى ذاتي،
تنظرينَ إلى أعماقي،
فأجدُ ذاتي لدى محطاتِ السفرِ،
هروباً منكِ إليكِ،
حاملاً وردةً وقصيدةَ وشغفاً عارماً،
وحكاياتِ اللونِ المستفيضِ من وجهكِ..

هنا يا سيّدتي،
تُعلنُ ابتسامتُك،
محطةَ الوصول.


ميشال مرقص

الخميس، 26 يناير 2012

عشقٌ إفتراضيٌّ... (تابع)

عشقٌ إفتراضيٌّ ...  (تابع)
عبر غرفة دردشة


عشِقتُ، يا سيّدتي،
أنْ يأتيني صوتُكِ ليلاً،
وتُقبلينَ عليَّ بصورتكِ،
تتحرّكينَ في شرايين لهفتي خلفَ "الشاشةِ الخرساء".

عشِقتُ،
أن تستجيبَ هواتفُ أعصابي لحضوركِ،
لانسيابكِ إلى أعماقي.
أستشعرُكِ تخترقين بوَاباتِ جسدي،
وشُرفاتِ أشواقي،
وتدفعينَ في كياني حضورَكِ اللذيذ،
أقوى من نعمةِ المتعةِ.

عشقتُ،
أن يتموّجَ جسدُكِ في حدائقِ عينيّ،
ويدعوني إلى إغراء أنوثته،
أن يُخبرني كيفَ تخبِّئين كنوزَ جنسكِ،
وتتمايلينَ،
سريعةً،
خفيفةً،
مثل فراشاتِ الأحلامِ.

عشقتُ، أن أرى شعركِ القصيرَ مجدولاً،
وابتسامتَكِ ضائعةٍ بين دخانِ السيجارة،
ولفتةٍ سريعة.

ولا أخفيكِ،
كيفَ يجذبني نهداكِ المختبئان،
لأفكَّ أسرهما،
وأنتشي بلون إغرائهما،
وشهوتهما،
بالعين وبالعشقِ المضني،
وباللهفةِ أن ألمسهما بالحنانِ،
 فلا أخدشَ اندفاعهما إلى صدري.

عشقتُ، يا سيّدتي،
أن أنسلّ إليكِ عبرَ "الشاشة"،
أن أصيرَ هواءَكِ،
أن أتحوّلَ أثيرًا حولكِ،
ان أعلِّقَ حلقًا في أذنيكِ،
أن أنسابَ عبر "سلكِ الهاتفِ" إلى قلبكِ،
وأنام فوق سريركِ،
وأحملَ عبق وجهكِ،
وعبيرَ جسمكِ،
ورائحةَ أنوثتكِ في جسدي،
كلّما بحثتُ عنكِ،
أفتحُ مسامي،
وأشمّكِ فيَّ،
وأخبرُ الحساسين والكناري،
كم أنتِ جميلةٌ، يا سيّدتي،
وكم تَقتلُني،
زئبقيةُ المسافات،
والانتظارُ الباهتُ، في الأمسيات،
وهي تُسدِلُ ستار الليلِ على غيابكِ،
وعلى انتظاري.

أعشقُ يا سيّدتي،
أنْ آخذكِ بين ذراعيَّ،
أن أسبح في لُججكِ،
أن أصيرَ ماءكِ،
أن تصيري امرأتي،
لا أخرجُ منكِ،
إلاّ لأعودَ إليكِ.
وتشتاقينَ إلى الاحتراق في رجولتي.

وعلى افتراق الطرقِ، يا سيّدتي،
اكتبُ لوحةً تذكاريةً،
أنّكِ كنتِ هنا،
في مسافاتِ جسدي،
وحول منافذِ رئتيَّ،
وفي أعماقِ قلبي،
كنتِ امرأةً متناهيةَ الأنوثة،
شديدة الانسياب إلى شواطئ رغبتي،
سريعة الوصول إلى اختراقي.

أنتِ، يا سيّدتي،
لا أعرفُ كيفَ،
ولا متى،
ولا أين؟

تعرفين، يا سيّدتي،
أنّ عقاربَ الساعةِ لا تتوقف؟

أشعركِ زمني،
ينتهي ولا ينتهي!


ميشال مرقص




الأربعاء، 25 يناير 2012

الحياةُ


الحيـــــاة
               

لا يحقُّ لكِ، يا سيّدتي،
أنْ تكرهي الحياة.
فالحياةُ لا تكرهُ ذاتها،
والحياةُ لا تتفتحُ فينا بإرادتنا،
ولا نخسرُها متى نشاء.
الحياةُ مثل الريح،
نشعرُ بها،
لا نعرفُ من أينَ تأتي
ولا إلى أين تروح.
لا يحقُّ لكِ، سيّدتي،
بـ"الأنانيّةِ"
إلى هذا العمقِ من الـ"أنا".
فالحياةُ، (حياتُكِ) ليستْ لكِ وحدكِ،
ولا تستطيعينَ أن تحرمي "آخرينَ" منها.
فإذا كانَ العطاءُ بذلُ ذاتٍ
وتضحيةٍ،
فالحياة "سفينةُ" العطاء،
من دونها لا تُبحرُ أشرعةُ البذل نحو الآخرين،
ومن أجلِ الآخرين.


عندما تفرحينَ، يا سيّدتي، بوردةٍ جميلة،
بطبيعةٍ ساحرة،
تنبضُ الحياةُ في عروقكِ،
تتفتحُ مسامُ النشوة،
... إلى حدِّ التداخل مع هذا السحر الجاذب.

عندما يلفحُكِ لهيبُ العواطف،
وتخترقكِ سهامُ الحبِّ، يا سيّدتي،
تصيرُ لكلِّ ثانية قيمة، ثمن، تاريخ،
روزنامة، لهفة، دهشة، اندهاش، ارتعاشٌ،
وانخطاف...
وتغلغلٌ في البراعم الدافئة،
وانسيابٌ من الأناملِ إلى ملامس الآخر...

عندما "تمنحين" الحياةَ، يا سيّدتي،
تصيرينَ دنيا واسعة،
إلى فلذاتٍ،
إلى "أطفال" يحتاجون دفئكِ،
وإلى...
فرحِ الحياةِ يشعُّ من وجهكِ.

تعلّمنا الحياةُ، يا سيّدتي،
ألا نصيرَ أرقاماً في ورقاتها،
ولا دمى تحركها رياح.
تعلمنا ألا ننسى ذاتنا في خزائن اللامبالاة،
تعلمنا ان كلّ ما حولنا جميلٌ...
ولو... كثُرتْ البشاعات.

كلُّ شيئ في الحياة، ابتسامتُكِ...
وهي نبعٌ،
ووجهكِ ضياءُ...
وأنوثتُكِ...... آه

ميشال مرقص

الاثنين، 23 يناير 2012

نهداكِ قمران

نهداكِ قمران

 "بسيشيه والحب" - زيتية - فرانسوا بسكال سيمون جيرار - 1798 - متحف اللوفر





لا يعرفُ الحبُّ، يا سيّدتي،
أن يتنازلَ عن كبريائه،
لا يعرفُ أن يختبئ،
فهو حاضرٌ فينا،
يعتلي عرشنا،
يتبخترُ في عيوننا،
ويرصدُ نبْض قلوبنا في مسارات العواطف التائقة إلى الحنين.

يُحضرنا الحبُّ،
 إلى قصر المشاعرِ الصادقة،
 الممزوجة بألم الارتحال الدائم صوبَ منْ نُحبّ،
يسيرُ بنا،
مسلوبي الإرادة،
إلى إرادة أن نعشقَ،
أن نتلهّفَ،
أن نحتضنَ صدورنا،
أن نتعانقَ حتى الصلبِ بين ذراعينا،
تغمرنا نشوةُ الاختراق،
وتسرقنا رغبةُ  الالتصاق،
 بلا فواصل أو ثغرات،
 أو مسافاتِ تهربُ من شدّة أخذنا لبعض.

عندما تتسللين إليَّ، يا سيّدتي،
أراكِ في علياء الجمال،
ودلال النعومة المرسومة في وجه امرأة.
يُبهرني جسدُكِ،
يجذبني لونُه،
يسحرني ملمسُه،
ويناديني جاذبُ نهديكِ،
إلى ينابيع اللذة والمتعة.

كلّما تفتّح عريُكِ أمام ناظريَّ،
أزدادُ اشتعالاً إليكِ، يا امرأة عشقي،
أزدادُ شهوةً،
أزدادُ رغبةً واقتحامًا إلى عالمكِ المرصودِ
 على الأنوثة المستزادة من التصدي لرجولتي.

عندما تُشرقينَ نورَ جسدكِ،
تفتحُ نوافذ الحياة إلى أوكسجين الجنسِ،
إلى مائدة الشهواتِ المملؤة من نعمة أنوثتكِ،
إلى ثمارِ نهديكِ،
وزنديكِ،
وخصركِ،
وتعاريج بطنكِ،
وتفاحةِ حوّاء،
وانسياب فخذيكِ،
إلى ماء البدءِ بطقوس القبائل الشهوانية،
والارتحال إلى مجاهلِ الأنوثةِ الضائعةِ
 في غابات اللهفة المنسية فوق أرائكِ الصمت.

لا أقدرُ، يا سيّدتي،
ألا أشتهي جسدكِ،
ألا تكوني لي امرأةً مليئةً بالأنوثة،
ألا أقولَ لكِ:
-     كم أنتِ شهيّة أيتها المرأة الغامرةُ بالجنسِ،
-     كم تقفين في مسافات عينيّ وتُنذرين جوعي لكِ بالاختباء،
-     كم تقرّبين المسافات،
-      وتبقين مثل الوهمِ الجاثمِ فوق صدري لا يعرفُ الانعتاق،
-     كم أنتِ قريبة وبعيدة،
-     كم تلغين المسافات،
-     وكم تجعلكِ المسافات في بُعدٍ لا ينحصرُ بنهاية.

أنتِ، يا سيّدتي،
"تتربعين" في مداركي أنثى الجمال،
وتقفين في قصر حبي عند صالات العقل والانفتاح،
وتنامين فوق سرير اشتهائي،
مليئةً بالحنين والرغبة
فأفتحُ لكِ أبواب رجولتي،
 وأشعرُ أن موسم الاحتراق بكِ يشعل رغباتي كلها.

يا سيّدتي،
تُطلين عليّ ونهداك يختبئان،
مثل قمرينِ كسفتهما جزئيًا شمسُ هروبكِ!

وأنا أعشقُ أن أنامَ في فيئهما،
وآخذُ شفتيكِ في شلالٍ من القبلِ،
لأبجديةٍ،
لا أريدُ لحروفها أن تكتمل.....

ميشال