الخميس، 4 أغسطس 2011

خزائن الذاكرة


خزائن الذاكرة



تختذلنا الذاكرةُ، يا سيّدتي،

تفتحُ ملفّات الانعتاق من الذاتِ،

تبحثُ عن عطرِ الكلماتِ،

وعبقِ الحبرِ،

وتستعيدُ لوحاتِ حضوركِ في مسافات عيني.



عندما نغرقُ في قوارير الذاكرة،

ونفتّق أوراقها،

نكتشفُ كم كانَ جنونُنا جميلاً،

نعترفُ كم أن الوهمَ الذي ظننّا حقيقةً،

صارَ زجاجًا مكسوراً،

ولوحةً كتبَ عليها عنكبوتُ القهرِ،

قصائدَه المشلّعة.

ورغمَ ذلكَ نشكرُ الذاكرة لأنّها اختزنتنا في ذاتنا،

وتركتْ لنا شرفاتِ الدهشةِ مفتوحةً أمامَ مفترقات الرحيل.



الذاكرةُ، يا سيّدتي،

مستودعُ الرحيلِ إلى متاهاتِ القلق،

عندما نستعيدُ فرحَ المواقف نصيرُ مهرجاناتِ السعادة،

وعندما نغلقُ كتابَ العاطفة،

ينحني الليلُ على جباهنا ونصيرُ أطفالاً في أرجوحةٍ منسيّةٍ للقدر.



كانَ البعدُ عنكِ، يا سيّدتي،

يُتلفُ خلايا الانتظارِ المشبوبِ بالعاطفة،

فدخلتْ العاطفةُ سُباتَ الشتاء،

وبهتَ لونُ الورودِ،

وصارتْ أغنياتُ العصافير سمفونية حزينة على أرصفة الانتظارِ الضائع.



في علمِ النباتِ، يا سيّدتي،

أن الورودَ كوّنت لذاتها نظاماً دفاعياً تلقائياً،

أنْبَتتْ أشواكاً لها،

تمنع الاقتراب،

لتُبقي جمالَ ألوانها متعةً للعينِ فقط،

فلا تُقطف، إلا بلسعةِ أو وخزةٍ،

ورغم الألمِ تبقى الورودُ بساط البهجة والفرح والمتعة.



لا أدري، يا سيّدتي،

كيفَ أستعيدُ ذاتي من دفتر ذكرياتي،

من دون أن ألتصقَ بكِ،

فحكاياتُ العشقِ لا تعتق، وفساتينُ البوحِ لا تتغيّرُ ألوانها،

وفي حبرِ الكلماتِ رشاقةٌ من حضوركِ،

ووراء شفافيةِ الحبِّ إشراقةُ وجهكِ...



في ذاكرةِ العشقِ، يا سيّدتي،

يبقى الحبُّ متقدًا مشتعلاً،

مهما حاولنا طمسَ آثاره، يتكاثرُ مثل عرائش البحرِ ويلفنا بشالِ السعادة.



أحاولُ، يا سيّدتي،

أن أقفلَ على كتاباتي،

فأشعركِ تخرجينَ منها،

أحاولُ أن أسدَّ منافذَ هوائي،

فأتنفسُ وجودكِ فيَّ،

أحاولُ أن أتلفَ أوقاتي، فأجدِكِ زمني وسنواتي ودهري،

فأستسلمُ لرغبةِ أحلامي،

وأنتعشُ انّكِ تقفينَ في مسالكِ دروبي،

وأرتاحُ لأنَّ ذاكرتي تحتضنُ وجودكِ وتغمرُ حضوركِ، ولا تنسى الفواصلَ والنمنمات وأطياف الألوان، وتلكَ الابتسامة ناعمةً، جاذبةً وهادئة تُشرقُ في عتمتي.



عندما أفتحُ فصولَ ذاكرتي، يا سيّدتي،

لا أعودُ أعرفُ كيفَ أنبشُ خزائنكِ فيها،

فالمسافاتُ القصيرةُ، كانتْ غنيّة غنيّة،

ومهما بعدتْ تلكَ المسافات،

تبقينَ فوق عرشِ ذاكرتي،

نبضَ القلبِ،

وحكايةَ امرأةٍ.

وأجملُ ما في خزائنِ ذاكرتي،

أنّكِ تقيمين فيها،

وتنبضينَ في أعماقي،

عذوبةً واطمئناناً وبوحًا عاشقًا...

وأنّكِ تبقين وجع الحنين الدائم.



ميشال




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق