الأحد، 3 يونيو 2012

مسارٌ بلا محطة

مسارٌ بلا محطة

                  "الإنتظار" – الكندي غايلاين سان أونج (1965 – 2005)


خَتَمَتْ مسافاتُ الزمنِ جواز سفري،
لم يبقَ في المحطّةِ غيرُ العاجزينَ فوق كراسي العمرِ الباردِ،
بحثتُ عنكِ عبرَ النوافذ الصغيرة،
زرعتُ قلقَ الانتظار أحواضًا لقدومكِ،
طوقتُ بعينيّ معابرَ الوصولِ والمغادرةِ،
وقفتُ لألمحَ منديلاً يلوّحُ بحرارةٍ،
بيدكِ ترسمين حنينًا لم يخترق حواجزَ المعرفة.

كلّ شيءٍ غرقَ في صمتٍ يلتحفُ أسى الجنون،
ويبحثُ عن دفاترِ قصائدي فيكِ ولكِ،
كنتِ بوحًا مما شعرتُكِ في أعماقي،
مما أوحيتِ أنتِ فلوّنتِ  أحرفها.
كانت  قصائدي مسارَ الهروبِ إليكِ والهروبِ منكِ،
ومتعةَ الانشراحِ إلى ذاتكِ في أوردتي.

لم أكن يا سيّدتي صائدَ طرائدَ،ولن أكون،
أجملُ ما في الطريدةِ يا سيّدتي أن تحمل ألوانها بأجنحتها وترحل،
أن تبقى في غربةِ النظرِ مسافةَ لونٍ،
لا يقعُ تحتَ الحواس،
ولا في قبضةِ الأسرِ.
الطريدةُ يا سيّدتي تبقى عاشقةً في حرّيتها،
في تغريدها فوق أغصانٍ ترتاحُ إليها،
وتمنحُها لون الأجنحة وحنان الزقزقة.

لقد حلمتُ يا سيّدتي أن أصيرَ ابتهاجًا لوجهكِ،
هذا الوجهُ الهادئ والمشاكسُ،
تمتلئ منهُ قصائدي سحرًا،
ويصيرَ هو قربانًا لأشعاري،
في حضورٍ تهزّهُ أنغام النعمةِ،
وتلجأ إليه براعم البركةِ.

لم أحْبِبْ يا سيّدتي أن أكونَ عاشق جنسٍ،
ففي مسامي مجسّاتُ الاستشعارِ عن بعدٍ،
لا أريدُ أن أسقطَ في بلاهةِ التائهينَ وراء لذّةٍ تخنقها غصّاتُ الشبق،
ولا أن أخسرَ شهوةَ التَوْقِِ الدائمِ إلى عشقٍ مسحورٍ.

إن أجملَ الشهواتِ يا سيّدتي،
أن يحلمَ العاشقُ بعري الآخر،
بمجاهل جسدِ الآخر كما يُحب.
فالجمالُ الدائمُ يا سيّدتي،
هو ذلكَ الجمالُ المجهولُ الذي لا كيانَ له،
وأنا أردتكِ أن تكوني فوق كينونةِ الجسدِ،
أشعرُ بكِ في مساحةِ زرقةِ السماء،
وأعمق من نسيمٍ يخترقُ رئتيّ.

لا شكّ يا سيّدتي، أن العشق متعبٌ،
وله محرقته،
وله طقوسه،
وله إنجيله وكتابُ صلواته،
وتسابيح نشوته.

لا شكَّ يا سيّدتي أن للجسدِ بحرَ الإحساسِ،
وفيض التلقي والعطاء،
ومهرجانَ الطقوس الإيحائية،
ومسافات البعدِ والاحتراق،
كلّما عبرتْ مسامةٌ من مسامات اللذّة إلى جنّة الاندهاش.
فأنتِ في أشعاري نبضُ ذلكَ الإحساسِ الدائم،
والذي لا يتوقّفُ عن كتابة لوحاته المرجانية.

لكنّ الورود والأزهار والرياحين،
ومواسمُ الخصب،
وعناقيدُ الأنوثة،
لها أزمنتها ولها فصولها ولها ينابيعها،
وإذا نضبتْ الينابيع تذوي وتذبل.

كنتُ أطمعُ يا سيّدتي،
بلقاءِ وجهكِ،
باختراقِ جاذبيةِ عينيكِ،
بالغرق في زئبقِ أعماقهما،
بانسيابي من مسامي إلى أطراف أصابع يديكِ،
وأصيرُ وقودًا لعبقِ عطركِ،
وتعويذةً، من العينِ، في شعركِ.

لكن يا سيّدتي،
اعرفُ أن منعطفاتِ الحياة،
لا تفتحُ في كلّ المواسم أبواب نعمتها وحسرتها،
فلها مواسمُها الخاصّة بها،
لها زيتُها وقمحُها ونبيذُها وعطرُها وجواهرُ زينتها،
لها إطارُ الزمن،
وأغنيةُ الثواني،
وأفلاكٌ لا يدخلُ مدارَها الغرباءُ،
ولا العشّاقُ الأنبياء.

كنتُ أحلمُ أن حضوركِ في ذاتي له مهرجانُ النشوة،
وضجيجُ العناقِ يمحو أرصفة الوجود،
كأنَّ كأسَ النشوةِ يبحثُ عن خمركِ،
عن مزاميرَ بوحي باسمكِ،
وترتيلةِ المساء لأنوثتكِ.

لكن يا سيّدتي،
سقطَ أريجُ الزمنِ في محطّة الأمس،
في البُعْدِ الذي حوّل المسارَ،
فجاء التلاقي ناقصًا،
والحوارُ فاقدًا دفءَ التبادل.

في هدوء المحطّةِ يا سيّدتي،
أحملُ في حقيبتي ثروةَ أشعاري لكِ،
ولن يبقى لي غيرُ حروف الهجرة،
وفواصلُ سقطتْ فوق سطورِ السفر،
إلى محطةٍ أو محطّاتٍ،
أرسلُ لكِ منها بطاقات الغربة.

ميشال مرقص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق