الأربعاء، 18 أبريل 2012

تاريخُ العشقِ

تاريخُ العشقِ


حورية - زيتية غيوم سينياك (1870 - 1924)

هل تعلمين، يا سيّدتي، أن الزمن يفقدُ أحيانًا قيمته،
يصيرُ مثل العملة التي تتدهور أمام عملاتٍ قويّة،
فلا تعودُ تساوي شيئٍا،
ويتخلّصُ منها الناس؟

هل تعلمين، عندما يصيرُ الحبّ أسير الأسلاكِ الشائكة،
تفقدُ الحياةُ مهرجان الفرح،
وتصيرُ العيونُ في محور الانغلاق فلا يعودُ جمالٌ يُبهر؟

كلّما طوينا، يا سيّدتي، ورقةً من سجل التاريخ بلا حبًّ،
تصيرُ ورقاته صفراء،
لا نَبْضَ فيها،
لا حدثَ يُدهشُ،
لا قيمة لكلّ الأحداث...

الناسُ، يا سيّدتي، يهتمون بأحداث العشقِ،
أكثر مما يهتمون بالتاريخ وبأحداث الكون،
يهتمون  كيف أن الملكات والأميرات يعشقنَ مثل سائر النساء،
وكيف أن سائر النساء يعشقنّ مثل الملكات والأميرات...

الناسُ ، لا يعلقُ في أذهانهم التاريخ،
بل كيف أن طروادة سقطت بسب امرأة،
وكيف أن الأباطرة والملوك عشقوا،
وكيف كان للسلاطين والخلفاء"حريمٌ" ،
وكيف يضعفُ جبروتُ هؤلاء أمام جمال امرأةٍ تبوّأت عرش القلب..

هكذا  هو التاريخُ،
إنّه، منذ خليقةِ آدم وحوّاء....
مسيرة عشقٍ وحبٍّ و... شقاء...
هي الحياةُ، يا سيّدتي،
لا تبتسمُ حتى تتجهّم،
ولا تتجّهم،
حتى تضحك،
أحيانًا  بفرح،
وأحيانًا بسخرية،
وأحيانًا من الألم...

لا أدري،
كيف كان للعينِ أن ترى الألوان لو لم تلتقِ بكِ،
لو لم تعرف صورةَ وجهكِ،
وجمالاتِ أنوثتكِ....
ما كنتُ أتصوّرُ كيف يكونُ للصوتِ شوق الوترِ إلى اللحنِ،
لو لم يكن صوتكِ هو الوترُ واللحنُ.
ما كنتُ أعبرُ صحراء دهشتي،
لو لم أعرفْ جسدكِ وعريكِ.
ما كنتُ أفتقدُ جدلَ الحكمةِ،
لو لم أتحدّثُ  إليكِ...

لكنَّ التاريخَ، يا سيّدتي،
له أسبابٌ أخرى،
له غاياتٌ ثانية،
ليسَ دائمًا يُنصف العواطف والأشواق والعشق واللهفة ودموع الحبّ...
التاريخُ يا سيّدتي،
مريضٌ،
جعله الحكام "خصيّاً" حتى لا يكتبَ عن الناس مثلنا،
بل عن خياناتهم وخداعهم وغيرتهم ومخادعهم وعربدتهم....

نحنُ يا سيّدتي، يهملنا التاريخ،
يجعلنا على هوامش الزمن،
بلا قيمة،
لا يعترفُ بحبنا،
لا يباركُ عشقنا،
لا يغفرُ لنا سلوك أهوائنا،
لأننا لسنا حكامًا ومسؤولين وأغنياء يشترون صمته،
يشترون صمت الناس،
الذين يباركون للأقوياء جميع خطيئاتهم،
وينكرون علينا نحنُ الضعفاء،
مجرّد التفكيرِ بالحبِّ والعشق،
ينكرون علينا أن تكونَ لنا قلوبٌ تنبض...

الأغنياء والحكام ،
يرشون التاريخ ويشترون صمته ومباركته لهم....

في تاريخيَ الصغيرِ، يا سيّدتي،
أنتِ فرحُ القلب،
ونبْضُ العشقِ،
وشريانُ الحياة،
وهو التاريخِ الذي لا يكتبه الناس،
بل عشقي لكِ،
وحبي لكِ،
وشوقي الكبير لكِ.....


     ميشال مرقص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق