الجمعة، 25 نوفمبر 2011

الحبُّ

الحبُّ

Edward Burne-Jones, Amour au milieu des ruines (1894), Wightwick Manor, National Trust. 
 حبٌّ بين الأطلال 
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذا أصبحَ الحبُّ حُلْمًا،
علينا أن نرضى بالواقع.

هل تعتقدينَ، يا سيّدتي،
أن الحبَّ خيارٌ لنا؟
وأنَّ لنا حرّية انتقاءِ من نُحبّ،
ونبحثُ عن حبٍّ مسبقِ الصنعِ، مهيّأ لأن نُبحرَ فيه؟
وهل صار الحبُّ،
إنتاجًا معلّبًا،
والعواطفُ حواشي ومطرزّاتِ تملّحُ ظواهرَ الحبّ؟



الحبُّ، يا سيّدتي،
يحكمُنا مثلَ القدرِ،
يُغالبُنا،
يخترقُنا مثل وجعِ الأَعصاب،
ويدخلُ رئتينا مع الهواء،
وأعينَنا مع النور واللَّون،
وآذنَنا مصحوبًا بألحانٍ سحرية،
وهو يتلمّسُ جلدَنا،
ويعجنُ كياننا،
فلا نعودُ قادرينَ على العيش من دونه،
ولا نستطيعُ،
أن نبعدِه،
فنسقطُ ضحاياه.

يُطهّرنا الحبُّ، يا سيّدتي،
يُنقّي أهواءَنا،
يجعلُها نظيفةً،
يخلقُ فينا كيانًا جديدًا،
يصيرُ مرآتنا،
يصيرُ المنارة التي تصوّبَ إبحارَنا نحوه،
وعندما يعصى علينا،
أو نعصى عليه،
يُفجّرُ دمعنا،
ويمسحُ أنفسنا بالألمِ الموجع،
فتصير شفّافةً مثل جوهرِ النور.

الحبُّ، يا سيّدتي، يأتينا بلا استئذانٍ،
يقتحمُنا صدْمًا،
يلوّنُ عينينا بريًقا مشعًا،
تصيرُ شفاهُنا ناضجةً مثل الكرز والتين،
تصيرُ خفقاتُ قلبنا أسرع،
وتنتشي شبكةُ اعصابنا بكهربة نسماته.

الحبُّ، يا سيّدتي،
يجلو الحبيبةَ مثل العروس،
تصيرُ عروسًا دائمة،
مستعدّةً لأن تُعلنَ كم هي جميلة،
وكم هي شديدة الولع والإحساس،
وكم تشتاقُ لأن تكونَ حاضرةً،
تحملُ منديلاً للدموع،
ومنديلاً تمسحُ به أحمر الشفاه،
كلّما غلبها الانجذابُ لتغيبَ في قبلةٍ مديدة العناق.

الحبُّ، يا سيّدتي،
يحوّلُ العاشق إلى شاعرٍ،
يفجّرُ بوحه،
عباراتٍ سحرية،
يُعلنُ عصيانه على ذاته،
فيصيرُ كاهنًا في هيكلِ حبيبته،
يحرقُ لها بخور عواطِفه،
ويدهنُ عريها بطيبِ أشعاره،
ويوسّدها صدره،
ويحنو عليها تحت جناحيه،
فتصيرَ عصفورةً دافئةً في حمى قلبه.


العاشقُ، يا سيّدتي،
لا تعودُ تتسعُ له مساحاتُ الكونِ،
يصيرُ منتفخًا في عشقه مثل انتفاخ الطاووسِ ،
ومثل انتفاخ عصافيرَ الجنّة،
وهي ذكورٌ تتلونُ بالريش الساحرِ،
وتُتقنُ رقصاتٍ غريبةٍ للعشق.
فتجذبُ أنثاها إلى احتضانِ مواسم التزاوج.

عندما، يُتاحُ لنا، أن نختار،يا سيّدتي،
يسقطُ الحبُّ بالضربة القاضية،
لا يكونُ حبًّا.
الحبُّ لا يسمحُ لنا أن نختار،
الحبُّ ليس معروضًا في واجهةٍ،
لا يسمحُ لنا أن ننتقي،
نُحبُّ أو لا نُحبُّ،
تلكَ هي المسألة.
وهنا تتوقفُ محاورُ العواطفِ،
لتلبس ثياب الرحيل،
إلى محطاتِ الجليدِ،
ومسافات الغربة القاتلة.

ميشال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق