الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

كلُّ شيءٍ

كلّ شيء
 المستحمة - زيتية - بول فيرا 1912


كلُّ شيءٍ في الطبيعةِ، كانَ مسحورًا بي،
لقد رأى وجهكِ في عيني.
لم تعد براعمُ الوردِ إلى أحضانِ أمّاتها،
ولا الأوراقِ الخضراءِ إلى ملاعبِ الربيع،
ولا زهور الكرز والدرّاق إلى أحمر الشفاه،
فهي جميعها مفتونةٌ،
لأنني كنتُ أتلو اسمكِ صلاةً في معبد الذات،
وتحتَ أعمدة الفضاء المأخوذِ بشهقةِ أنوثتكِ.

كانَ كلّ شيءً في دهشةِ الفرحِ
في مساحةِ كروم الإغراء،
حيثُ بساطُ العريِ المُقْلِقِ يتفتحُ لمائدةِ الشهوة لديكِ،
هنا كتبَ الشوقُ سنابلَ شعركِ،
واختبأت عشيقةُ الهمسِ،
أُذُُنُكِ،
ظامئةً أن أسكبَ فيها دفقَ جنوني.

لم تكن عناقيدُ الأكاسيا بخيلةً لتصير حِلىً لأذنيك،
وبخجلٍ
تسابقت أطباقُ الوردِ الداكنة في الاحمرار،
لتفتح أوراقها وتسألني
كيفَ لا احملُ شفتيك إليها،
فجاءت هي تُغرقني في شلال القبل الخرساء،
وتغتالُ انتفاضة كياني كلّه.

كنتُ هائمًا في أحضان الطبيعة،
أبحثُ عن كلّ شيءٍ فيكِ، عبر خصبها،
أتدفقُ في شراييني إلى ينابيعكِ،
وأغمرُ أشعة الضوءِ،
كأنها أنت،
وأشمّكِ في جسدي عبيرًا أنثويًّا ضجّ في كياني عميقًا عميقًا.

كنتُ أعبرُ إلى أوتار صوتكِ،
أتلمّسُ كرَمَ البوحِ،
وتسحبينني من ذاتي إليكِ،
فأعرفُ كيفَ "انوجدتُ فيكِ"،
أيتها الآتيةُ إليَّ من منابتِ الآلهة،
والجاثمةُ في كياني أنغامًا عذبة الحنين.


كلُّ شيءٍ فيكِ شهيٌّ يا جميلتي،
أخبرني القرنفلُ الأبيض عن نقاءكِ،
وسأَلَتْ نحلةٌ شاردةٌ عن مذاقِ العسلِ في قفرانكِ..
واختبأتْ الفاكهةُ الاستوائيةُ عند خصركِ،
كلُّ ما في الطبيعةِ يبحثُ عن عنبكِ وخمركِ ونبيذك،
وعن دفق الخصبِ في بيادرِ أنوثتكِ.


كلُّ شيءٍ فيكِ فاتنٌ يا ساحرتي،
فلقد أرخت القيثارةُ أوتارها وهي تستمعُ إلى صوتكِ،
وتعبت من كثرةِ الحنين فيه.

لا أعرفُ يا أميرتي أين أطرحُ بساطَ غربتي فيكِ؟
ولا كيفَ ألتقي في موانئكِ،
وأرتمي على شواطئ رجليك،
أنغمسُ في رمالِ جسدكِ،
قريبًا من أمواج تدفقك فيَّ.

أنا، العاتي أمام الآهات والدموعِ،
أسقطتني جمالاتُكِ في كؤوس العشقِ،
وصرتُ أذوبُ مع حروف الكلماتِ لأصلَ إليك.

كانت قوارير العطرِ يا أميرتي،
تسألني عنكِ،
عن كلّ عناوينِ الأنوثةِ فيكِ،
ففضلتُ لوجهك عطرَ عيني،
وفضلتُ لعريكِ
عطرَ بوحي لكِ،
وتركتُ عطرَ الياسمين والغاردينيا لصدركِ،
وعطر الأفاويه والناردينِ لخصركِ.

أمّا سرّتُكِ فهي اشتهاءُ العسلِ،

ومن أصابع رجليكِ يُعرّشُ الورد بألوانه حتى اكتساء الخصر منه،
فأعرفُ لماذا يتدفق ماء الورد منكِ.

جميلةٌ أنت يا ساحرتي،
هي هداياي،
أحملها من غربةِ العمرِ إليكِ،
من خزائن الأقبية التي تفتّحت عليكِ،
كنتِ أنتِ الماردَ المرصودَ في قمقمي،
ولا أدري كيف فتحتُ الرصدَ،
فانطلقتِ في كياني
تضجين بأنوثتكِ في كلِّ عصبٍ من أعصابي.


***
عندما تُقفلُ نوافذُ المساءِ
يا أميرتي،
أنتظرُ فرحَ الليل،
هنا
كلُّ حرفٍ عندكِ يصيرُ قصيدة،
كلُّ كلمةٍ تصيرُ حكاية الوجع في شفافيّة انتظارك،
تهربُ الثواني والدقائق،
وتتبخّرُ دورةُ الأرض،
لأنك أنت معي،
لا يعودُ للزمن مدارٌ،
ولا للوقت، مسافةٌ.

وحدكِ تسبحين في مدار عيني،
وتصيرين المسافة البعيدة في أعماق قلبي.

وتُسدَلُ ستارةُ العتمة،
لنسمة صبحٍ آتية من سهولكِ وأوديتكِ،
إلى أحلام وجهك.

                             

                        ميشال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق