الجمعة، 18 نوفمبر 2011

خلف ذاكرة الغُربة

خلف ذاكرة الغربة

                                    "  


  في محطة القطارات الباردة،
حيثُ الجميعُ يَحملُ صقيعَ الوداع،
وثلوجةَ الترحيب،
تتشابه الوجوه،
تخرج على هامش الوضوح،
تتماثلُ في سيمائها،
يختفي بعضها خلف وجوهٍ تشقُ طريقَ المسافةِ لاستطلاعِ وجهٍ غلّفته عربةُ القطار، وصارَ صورةً معلّقةً وراء النافذة الزجاجية.

بعضُ الوجوه يقتحم المسافة،
غيرها يتردّد،
وبعضها الآخر تحبسه خطواتٌ غيرُ واثقة،
يبقى مسمّراً،
يغالبُ غصّةَ الفراق...
وغيرها تنفرج أساريرُه،
فهو يعودُ إلى ذراعي حرّيةٍ أفقده إياه من استقلَّ العربة منذ قليل!

لم يكن وجهُكِ حاضراً،
كان كلُّ وجهٍ أنتِ ولم تكوني،
تطولُ لائحةُ الوجوه،
تكثرُ التطلعات،
تدمعُ العيون لكثرة التفاتها وتطويقها الجهات،
لكن ملوحةَ الدموع لا تسترجعُ وجهكِ الغائبِ بعيداً عن كل الوجوه.
                             
عندما نتعلّقُ بوجهٍ، في محطةِ الغربة،
تتشابكُ نظراتنا،
يصيرُ بعدُ الارتحالِ جدولاً يفيضُ عاطفةً،
تصيرُ نظراتنا المتعانقة حبالَ عاطفةٍ مشدودة،
تتمسّكُ بنا أن  نبقى،
 أن نمحوَ المسافة،
تعيدنا إلى خبايا العاطفة.

ِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِالعاطفةُ تفيض في مواعيد الوداع،
نشعر بحقيقتها،
بحجمها،
نسأل أين اختزنها جسمنا الصغير؟
وتفجّرت في حالات الغربة عن الذات.

عندما نغتربُ في مجاهلِ عواطفنا،
وتُتْلفنا مسافاتُ الحنين المقهور،
يبتعد وجهُ من نحبُّ،
يبقى في المحطّة التي هَجَرَنا فيها،
فوق رصيف الآه المكبوتة،
تلتقطه ذاكرةُ العينِ إلى شاشة الشغفِ،
يتفلّتُ منها،
تغيبُ قسماته،
تجهدُ خزانةُ الذاكرةِ أن تبقيه حاضراً،
يصيرُ مثل رسمٍ على شاطئٍ رملي،
تمحوه موجةٌ ناعمةٌ،
وعبثاً نتذكر صورة ذلك الوجه الذي غمرنا كثيراً بالسعادة،
لأنّهُ أرادَ أن يخرجَ من الصورة،
إلى القلبِ...

هنا،
عند أرصفةِ القلقِ،
وبساتين العاطفةِ المشبوبةِ بأريجِ أنوثتكِ،
فوق ملصقاتِ جدرانِ الرئتين،
ولدى نوافذِ البوحِ الهائمِ مع هديرِ القطار،
في خبايا العقل والقلب معاً،
ولدى هبوب النسيم،
وتفتحِ الأزهار،
وهطولِ المطر،
او بارقةِ الشمسِ في يومٍ يحملُ سعادةَ وجهكِ،
تبقينَ يا سيّدتي،
زوّادةَ دفئي،
دفقَ عواطفي،
خلفَ زجاج غرفتي في منفى ذاتي،
تنظرينَ إلى أعماقي،
فأجدُ ذاتي لدى محطاتِ السفرِ،
هروباً منكِ إليكِ،
حاملاً وردةً وقصيدةَ وشغفاً عارماً،
وحكاياتِ اللونِ المستفيضِ من وجهكِ..

هنا يا سيّدتي،
تُعلنُ ابتسامتُك،
محطةَ الوصول.


ميشال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق