الاثنين، 19 سبتمبر 2011

متاهةُ الحبٍّ


                       
              للفنانة التشكيلية اللبنانية مجد رمضان

لقدُ توغّلتُ بعيدًا،
في مسافاتِ حبِّكِ،
وأمعنتُ في التوّغلِ،
واجتزتُ حقولَ أنوثتكِ،
وأدغالَ عواطفكِ،
وتوقفتُ عند ينابيعِ شهوتكِ،
وطاَب لي، حلوُ الارتحالِ في مملكةِ جمالاتكِ،
حتى نسيتُ بدايةَ الرحلة،
وتاهَ عنّي زمنُ بلوغِ غايتها.

أبحرتُ في بحور حبّكِ،
وجذبتني تيّاراتُ أمواجكِ،
فتقاذفتني أمواجُ عُريكِ،
بعيدًا عن شواطئ ارتحالي،
لا منائرَ تلوحُ عندَ برّ جسدكِ،
ولا علاماتٍ تُوقِفُ دَفْعَ الإبحارِ إليكِ.

لقد نسيتُ زوارقَ الإنقاذِ،
ولم أتسلّح بوسائل النجاة،
لأن هدوء بحركِ جذبني،
وتحدّاني تلاطمُ أمواجه.
لم آبه لتحذيركِ إيّاي،
خلتُ ذاتي قويًّا في محيطكِ،
خلتُ ذاتي، قريبًا من مرافئ وجودكِ،
لكنّ الوصولَ إليكِ مثلَ سرابِ البحرِ،
ومثلَ سرابِ الصحراء،
كلّما تخيَّلْتُ النهايةَ،
ظهرَ سرابٌ جديد،
بالمسافةِ ذاتها،
بعيدًا عن مرافئ وجودك.

أشعرُ أنني مثل العصفورِ معكِ،
أجوعُ فألتقطُ حنطةَ قمحكِ،
أعطشُ فأشربُ ماء جنسكِ،
أختبئ من المطرِ والبردِ،
فوق أغصانِ شفافيتكِ،
وأحتمي من لهيبِ عواطفي،
في فيءِ حنانك.

أشعرُ أنَّ حقولَ الورد والكرز واللوز والوزال،
تُفتّح أزهارها من أجلكِ،
أحسُّ أن اخضرار السنديانِِ،
وتلويحَ الفواكه بألوانها،
تتهيأ لاستقبالك،
أن زهور الأحواضِ لديَّ،
إنما تنمو من أجلِ أنّكِ أنتِ،
فأغمرُ الطبيعةَ بعيني،
وأعتني بورودي وأزهاري،
لأنها تُبَرعم لك.

جذبتني متاهةُ الارتحالِ إليكِ،
وأغراني الدخولُ إليها،
لكن، لم أدرك كيف أعودُ من دورانها،
من دونِ خيطكِ الذهبي،
الذي تعطيهِ العاشقات،
كلٌّ لحبيبها،
ليعودَ إليها من المتاهة، حيثُ يعاركُ الوحشَ، يصرعهُ، فينالَ حبّها.

لقدّ دخلتُ إلى أدغالِ شؤونِكِ العاطفية،
عرّشت أشجارُ حبّكِ في جسدي،
التفّتْ أغصانُها على جذعي وفروعي،
نَبَتَتْ مع أغصاني،
أورَقتْ مع براعمي،
وأزهرتْ في مسامي مثل عناقيد الغاردينيا.

صارَ هيكلي مكسوًّا بدوالي حبّي لكِ،
صارت عرائشُ إحساسك تُفرّخُ في كرومي،
لوّحَ عنبُها وصارَ شهيًّا مثلَ شفتيكِ،
وأنبأ بنبيذٍ لذيذٍ،
يشبهُ الغفو في عينيكِ،
والسُكْرَ من محاسنِ وجهكِ.

ولا أزالُ أسبحُ في شهوتي لعري جسدكِ،
مشرّدًا هنا عند شواطئ نهديكِ،
ومرميًا فوق رمالِ خصركِ،
ومنسيًّا عند مرمرِ رجليكِ،
ومسمّرًا في شهوتي،
عندَ سائرِ أطايب رزقكِ وثمار هذا العري القاتل.

أشعرُ أحيانًا أنني أختنقُ،
فتنعشينني بهواء أنوثتكِ وجرحِ العاطفةِ المختبئة في أكمامِ ورودكِ.
ويلفحني هواؤكِ مرّاتٍ،
فأغصُّ من فيض عاطفتي لك.

صرتُ مثل عرائش البحر،
تتكاثرُ في ذاتها،
تجتاحُ المساحاتِ،
تخنقُ ما حولها،
ولا تموتُ إلاّ باقتلاعها من الماء.



حبي لكِ المحيطُ الكبيرُ،
أنا أنمو فيه،
أتمدّدُ بلا حساب،
أغالبُ أمواجكِ العالية،
وأعاندُ تيّارت الانجذاب إليكِ،
أحيانًا أرى يدكِ تلوحُ،
وتُرسلُ النجدة،
وأحيانًا تغيبُ عنّي،
لكنني أعاني، فأنا في شوقٍ قاتلٍ،
لأبلغَ مرفأك،
ولو كانَ السرابُ هو بحري الوحيد.

           ميشال

    




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق