الأحد، 18 أبريل 2021

الفرحُ الضائع وذبولُ المواعيد

 

الفرحُ الضائع وذبولُ المواعيد


      
جيوفانّي بيليني 1430 - 1516

 

يختنقُ الفرحُ،

يكتبُ نهايات الإبحارِ في شرايينِ النشوة.

وينوصُ قنديلُ السفرِ،

وينثُرُ ضوءه فوق سرير الألمِ،

 فيتغيّر لونُ البهجةِ،

ويغصّ بدمعةٍ مكرّسةٍ للعشق، ولآه العناق،

فتبقى الغصّةُ،

لتعبر جسور المسافاتِ، مختفيةً في أثواب الحنين.

 

كلّما تتفتّقُ براعمُ الاشتياق،

تُيبِسُها رياحٌ حارقة،

وتنثرها رمادًا تحت أجنحة الفراشات.

 

الحبُّ يتضعضع،

بين إبحارٍ،

وبين رغبةٍ،

وبين انطفاءٍ في هبوبِ نسمةٍ تكادُ أن تكونَ رمقًا أخيرًا.

 

عندما تتوقفُ عقاربُ الزمن،

تكون الأرضُ قد رغبت في عدمِ الدورانِ على ذاتها.

تلتحفُ بذكرياتِ الأمس الجميلة،

تتجمّدُ من بردِ الرسائلِ المقلقة،

وتنسلُّ إلى الاعتزال في غربة الشوقِ وخريف الانتظار.

 

 

لم يكن للوعدِ أن يذبلَ في حدائق العينين،

لم يكن للعشقِ،

أن يحتفلَ بالورودِ وقد شلحت ألوانها،

لم يكن لمواعيدِ العشيات أن تتمَّ وقد بردَ التوقُ إلى الاحتضان،

وصارَ،

مثل مواعيد الحائرين، تنتهي قبل أن تبدأ.

 

أحيانًا يعلّمنا القدرُ، كيفَ ننسى ذواتنا في أعماقِ من نحبُّ،

يفتحُ لنا ذراعيه،

يضمُّنا بجانحيه،

يحملُ حقائبَ الآمالِ،

يزهو بعبارات التقارب،

يرتدي مساء العيون في خيمة الدفء ونمنمات الحنين.

 

لكنَّ القدر ذاته،

يكشفُ لنا عن عجزه،

يجرّدنا من أحلامنا،

نصيرُ لعبةً،

نصيرُ ريشةً في مهبّه،

نقبضُ على الريحِ،

ونقبضُ على الماء،

ونقبضُ على الزئبق،

لكنّنا نكمشُ النار،

وننطفئ في الرماد.

 

كلّما يصرعني خوفي، ألا أراكِ، يا سيّدتي،

أبتعدُ من ذاتي،

أصيرُ إنسانًا آخر،

أصيرُ ملاكًا، شيطانًا،

أصيرُ شاطئًا بلا أمواج أنوثتكِ،

أصيرُ لونًا بلا ريشةِ ابتسامتكِ،

أصيرُ شراعًا بشريًا بعيدًا عن ذراعيكِ،

وغائبًا عن نبْضِ قلبكِ.

 

تعتريني فصولُ الجفافِ كلّما يتراجعُ منسوبُ مائكِ، يا سيّدتي،

كلّما تتعرّى تُربتي من رطوبةِ ملامسكِ،

كلّما ييبسُ لساني،

ويجفُّ حلقي،

لأن ماء ينابيعكِ تحجبها السدودُ،

وتمنعُ وصولها أقنيةُ التحويل المتشعبة.

 

 

في الزمنِ الحائرِ، يا سيّدتي، بين الاختناقِ والرغبة،

لا أعرفُ لماذاَ يزحفُ الاختناق،

لماذا يضغطُ على هيكلِ صدري،

لماذا يتوغّلُ،

يبحثُ عنكِ،

يفتشُ عن عينيكِ،

عن صلواتي لكِ،

يُلَمْلِمُكِ من ذاتي،

يجمعكِ من كياني،

ويقسو عليَّ أن أنتشلكِ منّي،

ويقضي على مهرجانِ عشقي...

 

الأحلام، يا سيّدتي، تحاولُ أن تقاومَ زحفَ المجهولِ،

تقاومُ،

 تحتضنُكِ،

تزرعكِ في مسامي وفي عروقي وترويكِ من مائي، وترويني من عرقِ جسدكِ.

 

لا أعرفُ كيفَ أتنفّسُكِ، يا سيّدتي؟ وأنتِ رئتيَّ،

لا أعرفُ كيف أتذوّق عطركِ؟ وأنت عطري،

لا أعرفُ كيف أشمُ أريجَ جسمكِ؟

وبأيّ أنفٍ أدخلُ بهجة مسامكِ،

إلى أحاسيس رأسي،

فأنتشي مثلَ السكران من كرومِ شهوتكِ؟

 

كلّما أدخلُكِ إلى أضلعي، يا سيّدتي،

وأتركُكِ تسبحينَ في أمواجي،

وتبحرينَ في محيطاتِ أشواقي،

وتلعبين في مرافئ عيني،

وتتسللين إلى تيّارات انجذابي إليكِ،

 

أخافُ أن تتوقفي!

وقد تبلَّغتُ القرار.

 

فقط عودي بابتسامتِكِ

بمحورِ زهوّكِ

بمهرجانِ أنوثتِكِ...

 

أقفلى حقائبَ المرضِ

تنتظرُكِ الحياة...

 

ميشال مرقص

من دفتر الإنتظار

9 ك2 2021

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق